نحن نتبادل الكلمات و الحروف والعبارات كوسائل للتعبير عن المعاني وكادوات لكشف كوامن النفوس ونتصور ان الحروف يمكن ان تقوم بذاتها كبدائل للمشاعر ويمكن ان تدل بصدق على ذواتنا ومكنوناتنا
والحقيقة ان الحروف تحجب ولا تكشف وتضلل ولاتدلل وتشوه ولا توضح وهي ادوات التباس اكثر منها ادوات تحديد
يقول الحبيب لحبيبته احبك وهويقصد التعبير عن حالة وجدانية خاصة جدا وذاتية فلايجد الا كلمة هي صك مستهلك تهرا من كثرة الاستعمال كلمة اصبحت ماركة لاردا انواع البضائع
كلمة حولتها الاغاني المبتذلة والهزليات المسرحية الى بالوعة او منشفة لتجفيف ما ينضح من العرق في حالات فسيولوجية عديدة ومتناقضة
ولكن ذلك الحبيب لا يجد غير هذه الكلمة
ولو انه صمت لكان صمته ابلغ
وللصمت المفعم بالشعور حكم اقوى من حكم الكلمات وله اشعاع وله قدرته الخاصة على الفعل والتاثير
والمحب الصامت يستطيع ان ينقل لغته وحبه الى الاخر اذا كان الاخر على نفس المستوى من رهافة الحس واذا كان هو الاخر قادرا على السمع بلا اذن والكلام بلا نطق
والانسان هو معجزة المخلوقات وذاته مستودع قوى واسرار الهية
والحقائق العالية تقصر دون بلوغها الحروف والعيون والاذان وانما خلقت الحروف للتعبير عن اشتات العالم المادي وجزئياته
اما عالمنا الداخلي وسماواتنا الداخلية وسرائرنا العميقة فتقصر دونها الحروف ولا تصورها كلمات
وكلما كان شعورنا حميما وكلما كان حبنا متغلغلا في شغاف القلب مالكا ناصية السر ساكنا لب الفؤاد عجز اللسان وتضعضعت الكلمات و تقطعت الحروف
والالفاظ في رحاب الله استار وحجب والكلمة حائل والعبارة عائق والاصطلاح عقبة
وعالم الله هو عالم المطلقات الذي لا تحلق اليه كلمات ولا تسمو اليه الفاظ
ومعدن الحب الشفيف العالي هو من نفس معدن هذه المطلقات ولغته من لغتها فهو من خصائص الروح وهو في صميمه انعطاف روح قبل ان يكون انعطاف جسد وحينما تبلغ المشاعر الى تلك المنطقة يسكت اللسان وتصبح اللغة صمتا
ولهذا احب الصمت واؤثر الصمت كلما شعرت بهذا القرب الحميم نحو انسان ذلك القرب الذي يتسلل الى الشغاف ويسكن الحنايا دونما صخب ودونما ضجيج ودونما اضطراب
فما ابلغ الصمت وما اقدره على التعبير